إذا كنت مصرياً ومهتماً بمستقبل بلادك. فقد أصبح أمامك اختياران لا ثالث لهما:
إما أن تؤيد الإخوان المسلمين والسلفيين وتساعدهم على الوصول إلى حكم مصر، وإما (إذا اختلفت معهم) أن تتحمل اتهامك بالعلمانية والعداء للإسلام.. السيد صبحى صالح، القيادى الإخوانى، أكد من قبل أنه «لا يوجد مسلم ليبرالى أو مسلم يسارى، وإنما يوجد فقط مسلم وكافر»، معنى ذلك أن الإسلام لا يمثله إلا فكر الإخوان وكل من يخالفه كافر.. أما الشيخ المحلاوى فقد أعلن بوضوح أن «من يطالبون بالدولة المدنية فى مصر كفرة وعبدة الطاغوت».. لا أكثر ولا أقل.. حكم التكفير فى الإسلام خطير وتبعاته جسيمة حتى قيل إنه لو كان هناك مائة سبب لتكفير المسلم وسبب واحد لاعتباره مؤمناً فإن الإسلام يعتبره مؤمنا ويمتنع عن تكفيره. وقد حذر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الحكم بالتكفير على شخص ليس بكافر، فقال: «أيما امرئ قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال وإلا رجعت عليه».
بالرغم من ذلك فإنه لا يمر أسبوع إلا ونقرأ تصريحاً لأحد السلفيين أو الإخوان يتهم فيه المختلفين معهم بـ«الكفر».. المشكلة أن موجة التكفير لا تقف عند القياديين الإسلاميين بل تتعداهم إلى خطباء المساجد.. وقد تلقيت رسائل عديدة من قراء يحكون أن خطيب المسجد ينفق خطبته كلها فـى الهجوم على المطالبين بالدولة المدنية ويتهمهم بالعلمانية والإلحاد..
نحن إذن أمام قوة سياسية تستغل مشاعر الناس الدينية وتعتبر كل شىء مباحا من أجل هزيمة خصومها السياسيين والوصول إلى السلطة، حتى لو أدى ذلك إلى تكفير المسلمين. هذا السلوك ذاته حدث فى الاستفتاء الأخير الذى أُجرى أساساً على تعديل بعض مواد الدستور القديم، ولم يكن من بينها المادة الثانية التى تنص على إسلام الدولة، لكن بعض الإسلاميين وزعوا منشورات تدعو المسلمين إلى الموافقة على التعديلات لأن رفضها يؤدى إلى ضياع الهوية الإسلامية ومنع الأذان والحجاب والسماح للشواذ بالزواج من بعضهم البعض (!).. إلى هذا الحد يمكن لشهوة الحكم أن تدفع بعض الناس إلى تضليل الرأى العام باسم الدين.. الغريب أن هذه الحملة الرهيبة لتكفير المطالبين بالدولة المدنية تخلط عمداً أو جهلاً بين مفاهيم سياسية مختلفة تماما. ولعله من المفيد هنا أن نراجع بعض التعريفات:
الدولة المدنية الديمقراطية:
هى الدولة التى تكون فيها السيادة للشعب والسلطة للأمة.دولة القانون والمؤسسات التى يستوى فيها المواطنون جميعا أمام القانون بغض النظر عن أديانهم.
الدولة الدينية:
هى الدولة التى يتولى فيها الحاكم السلطة باسم الدين لا باسم الشعب. وقد عرف التاريخ الإنسانى نوعين من الدولة الدينية: الدولة الثيوقراطية التى يعتبر فيها الحاكم نفسه ظل الله على الأرض، فهو يحكم بالحق الإلهى ولا يحق لأحد أن يحاسبه أو يعزله..ودولة رجال الدين، حيث يتحالف الحاكم معهم ليحكم باسم الدين، وهو يعتبر كل من يعارضه خارجا على الدين.. لم يعرف التاريخ دولة دينية عادلة أو رشيدة، بل اقترنت الدولة الدينية دائما بالظلم والاستبداد.. ويكفى أن نقارن أى دولة ديمقراطية فى أيامنا هذه بدول مثل السعودية وإيران والسودان لندرك خطورة الدولة الدينية ونتائجها السلبية على حرية الناس وإرادتهم.
العلمانية:
حركة اجتماعية تتجه نحو الاهتمام بالشؤون الأرضية بدلاً من الاهتمام بالشؤون الدينية، وهى تقوم على فكرة الاستبدال.. تستبدل العالم الذى نعيشه بالعالم الآخر، وتستبدل الواقع بالغيب والدنيا بالدين. وبالتالى فإن العلمانية فعلا حركة معادية للأديان جميعاً.
الليبرالية:
مذهب اسمه مشتق من لفظ LIBER وهى كلمة لاتينية تعنى «الحر».. فالليبرالية حركة وعى اجتماعى سياسى داخل المجتمع، تهدف لتحرير الإنسان من القيود التى تقيد حريته أو قدراته، وهى تقوم على احترام استقلال الفرد والحريات السياسية والمدنية، على أن تحرر الليبرالية ليس مطلقا لكنه مقيد بالقوانين التى تختلف وفقا للأخلاق والقيم من مجتمع إلى آخر، أما الليبرالية الاقتصادية فهى تتبنى فكرة الاقتصاد الحر الذى يمنع تدخل الدولة فى الأنشطة الاقتصادية ويترك السوق لتضبط نفسها بنفسها، وإن كان بعض المفكرين قد تحدثوا عن الليبرالية الاجتماعية التى تؤيد تدخل الدولة فى الاقتصاد وتتخذ موقفا وسطا بين الرأسمالية المطلقة والاشتراكية، حيث تسعى لتحقيق موازنة بين الحرية والمساواة وتحرص على تأهيل الناس للعمل، كما تهتم بالخدمات الاجتماعية مثل التعليم والضمان الصحى.
اللادينية:
هى اتجاه فكرى يرفض مرجعية الدين فى حياة الإنسان، ويرى أن النص الدينى هو مجرد نص بشرى محض لا ينطوى على قداسة خاصة، ولا يعبر عن الحقيقة المطلقة.إذا قرأنا هذه التعريفات التى تحمل معانى مختلفة فسوف ندرك مدى عشوائية المعركة السياسية الدائرة فى مصر التى يتم فيها خلط الأوراق من أجل ابتزاز مشاعر البسطاء الدينية حتى يصل بعض الإسلاميين إلى السلطة. إن تقسيم الناس إلى إسلاميين وعلمانيين هو تصنيف جائر وخاطئ إلى أبعد حد، فالذين يختلفون مع أفكار الإسلاميين ليسوا ضد الإسلام نفسه.. المطالبون بالدولة المدنية ليسوا بالضرورة علمانيين أو لادينيين بل قد يكونون مسلمين أتقياء حريصين على دينهم لكنهم يرفضون أن يُستعمل الدين كغطاء لحكم استبدادى عادة ما يكون قمعيا وظالما..
والحق أن نضال الشعب المصرى منذ مطلع القرن العشرين كان دائما من أجل إقامة دولة مدنية ديمقراطية. وإذا استثنينا مشروع الإخوان المسلمين فإن مصر طيلة تاريخها الحديث لم تسمع عن الدولة الدينية إلا فى أواخر السبعينيات عندما وصل إليها لأول مرة الفكر الوهابى المدعوم بأموال النفط. ولو وافقنا الشيخ المحلاوى على تكفير المطالبين بدولة مدنية فمعنى ذلك أن سعد زغلول ومصطفى النحاس وجمال عبدالناصر وأنور السادات وغيرهم من زعماء مصر كانوا كفارا، لأنهم جميعا وبلا استثناء واحد نادوا بفصل الدين عن السياسة. الدولة المدنية الديمقراطية إذن ليست علمانية وليست لادينية، وإنما هى تقف على مسافة واحدة من الأديان جميعا وتحترم مواطنيها جميعا بنفس القدر، وقد استحدث الإخوان شعارا جديدا، فهم ينادون الآن بدولة مدنية ذات مرجعية إسلامية.
وهذا كلام غريب فلا توجد أبدا دولة مدنية بمرجعية دينية.. ما المقصود بالضبط بالمرجعية الإسلامية..؟! إذا كان المقصود بها مبادئ الإسلام مثل العدل والحرية والمساواة فهذه هى الأسس التى تنهض عليها الدولة المدنية وبالتالى فهى لا تحتاج إلى مرجعيات إضافية.. أما إذا كان المقصود بالمرجعية الإسلامية وضع أسس مقدسة غير قابلة للنقاش وفرضها على الناس باسم الدين فإننا نكون إزاء الدولة الدينية الاستبدادية وإن تغيرت التسمية.
السؤال الآن: هل يمكن تطبيق الشريعة فى دولة مدنية ديمقراطية؟!. الإجابة: نعم بالتأكيد، لكن على أن يتم ذلك باختيار الشعب وإرادته الحرة.. فإذا كان هناك حزب سياسى إسلامى يعتبر أن القانون المصرى غير مطابق لمبادئ الشريعة فمن حقه أن يسعى إلى تطبيق ما يراه صحيحا، وعليه عندئذ أن يدعو بوضوح إلى برنامج انتخابى يشرح فيه القوانين التى سيسنّها من أجل تطبيق الشريعة، فإذا حصل هذا الحزب على غالبية الأصوات فى انتخابات نزيهة يكون من حقه أن يطبق البرنامج الذى انتخبه الناس من أجله..
أما أن يتولى الحزب الإسلامى الحكم ثم يعتبر أن تطبيق الدين (وفقاً لمفهومه) أمر واجب يجب ألا يستشار فيه الناس بل يجب أن يفرض عليهم، فنحن مرة أخرى أمام حكم قمعى يستعمل الدين كغطاء للاستبداد.. قد يقول قائل إن النتيجة واحدة فى الحالتين.. إلا أن الاختلاف فى الطريقة مهم وفارق، فعندما تحتكم إلى إرادة الشعب يكون تطبيق القانون شرعيا لأنه تم باختيار الناس وإرادتهم.. أما إذا فرضت عليهم ما تعتقد أنه صواب فإنك تعتدى على حقهم فى اختيار ما يريدونه لحياتهم من قوانين ومبادئ.
كما أن فرض حكم الدين يختلف باختلاف عقلية من يفرضه.. فمفهوم تطبيق الشريعة عند مفكرين مستنيرين مثل طارق البشرى وأحمد كمال أبوالمجد مختلف بالتأكيد عنه عند مشايخ السلفية.. فالشيخ أبوإسحاق الحوينى مثلاً يرى أن الدراسة فى كلية الحقوق حرام، ويعتبر أن كل الطالبات فى جامعات مصر آثمات لأنهن يدرسن مع زملائهن الذكور فى نفس المدرجات، وهو يؤكد أن العلوم الشرعية إنما خُلقت للرجال فقط دون النساء، فالمرأة فى رأى فضيلته مهما تلقت من علم ستظل دائما مقلدة وعامية. أما مشكلة مصر الاقتصادية فإن الشيخ الحوينى يقدم لها حلاً ممتازاً..
يتلخص فى أن تدعو مصر دولة أجنبية غير مسلمة (السويد مثلاً) إلى دخول الإسلام. فإذا رفضت حكومة السويد الإسلام أعلنت مصر عليها الجهاد فإذا انتصرت مصر على السويد وغزتها واحتلتها فإنها تخير السويديين بين الدخول فى الإسلام ودفع الجزية، ولاشك أن الجزية المفروضة على السويد ستنعش الاقتصاد المصرى، أما إذا رفض العدو السويدى دخول الإسلام أو دفع الجزية فيكون من حقنا أن نتخذ من السويديين عبيدا وجوارى.. العبد السويدى يساعدنا فى أعمالنا مقابل توفير أكله وكسوته..
أما النساء السويديات (المشهورات بالجمال) فمن حق السيد المصرى أن يتخذ منهن الجوارى، ومن حق المصرى أن يمارس مع جاريته السويدية العلاقة الزوجية دون عقد أو شهود لأنها تكون ملك يمينه، أما إذا فاضت جاريته عن حاجته أو مل منها فله عندئذ أن يبيعها فى سوق النخاسة فتتحسن أحواله الاقتصادية. هذه الآراء المدهشة للشيخ الحوينى مسجلة بالصوت والصورة.. ماذا نتوقع من رجل بهذه العقلية إذا تولى حكم مصر وفرض علينا رؤيته للدين؟!
لقد قامت الثورة المصرية من أجل تحرير المصريين من الاستبداد والقهر، ولن يقبل المصريون أبداً أن يستبدلوا بالاستبداد السياسى استبدادا دينيا. إذا أراد الإسلاميون أن يطبقوا مشروعهم السياسى فعليهم أن يعرضوه على الشعب المصرى صاحب السيادة المطلقة فى النظام الديمقراطى.. فإذا اختار الناخبون برنامج الإسلاميين فليس من حق أحد أن يعترض لأنها إرادة الشعب، أما إذا رفضوه فليس من حق أحد أن يفرضه عليهم مهما كانت الأسباب والمبررات.
الديمقراطية هى الحل.
رابط المقالة فى المصرى اليوم http://www.almasryalyoum.com/node/467846
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق