دائماً أسأل نفسي ما هى هويتنا؟ هل هى الهوية المصرية؟ أم الهوية العربية؟ أم الهوية الإسلامية؟
أولاً لزاماً علينا أن نُعرف ما هى الهوية؟
الهوية هى مجمل السمات التي تميـّز شيئا عن غيره أو شخصا عن غيره أو مجموعة عن غيرها. كلّ منها يحمل عدة عناصر في هويته. عناصر الهوية هي شيء متحرك ديناميكي يمكن أن يبرز أحدها أو بعضها في مرحلة معينة وبعضها الآخر في مرحلة أخرى. الهوية الوطنية هى ثقافة و طريقة تفكير و تاريخ مشترك لمجموعة من البشر.
هناك روافد كثيرة تؤثر فى نهر الهوية أهمها الثقافة و التاريخ و اللغة و الدين. و تأثير هذه الروافد اختلف على مر العصور فكان هناك عصر كان التأثير الأكبر فيه هو للدين على الهوية كعصور أوروبا المسيحية أو الخلافة الإسلامية ثم انتهى هذا العصر و طواه الزمن و جاء عصر كان التأثير الأكبر فيه هو اللغة كشعارات العروبة أو محاولات تجمع الدول الناطقة بالإسبانية أو البرتغالية أو الإنجليزية أو الفرنسية فى العالم و قد طوى الدهر هذه الأفكار للتجمع تحت رافد كبير هو اللغة كمكون أساسي للهوية.
واليوم بعد ثورة 25 يناير نحن مُطالبون بتحديد هوية مصر هل هى مصرية أم عربية أم إسلامية كنقطة ارتكاز للإنطلاق نحو بناء دولة حديثة.
هل مصر عربية؟ هل لأننا نتحدث اللغة العربية نستطيع تصنيف أنفسنا كعرب وأن ننتسب للهوية العربية؟
هناك أكثر من 50 دولة على مستوى العالم اللغة الإنجليزية هى لغة أهلها الرسمية، وأكثر من 50 دولة لسان أهلها الفرنسية، و20 دولة تتحدث الإسبانية، وأكثر من 10 دول تتحدث البرتغالية، هل هذا يعنى أن هوية هذه البلاد واحدة؟ ربما توجد بعض الأشياء المشتركة بينهم إلا أن ذلك لا يعنى أن تجمعهم هوية واحدة.
هناك حوالى 22 دولة تتحدث العربية هل هذه الدول تشبه بعضها؟ ربما يجمع بعضها أجزاء من التاريخ ولكن ذلك لا يعنى أن هويتهم واحدة. فتفكير الناس فى مصر يختلف عن تفكير الناس فى دول المغرب يختلف عن تفكير الناس فى منطقة الخليج و السعودية. اللهجات نفسها تختلف من مكان إلى مكان لو أنك ذهبت إلى المغرب غرباً أو إلى العراق شرقاً لن تستطيع فهم اللهجة هناك إلا بعد فترة من تعلم مصطلحاتها.
وهذا ليس مقتصراً فقط على اللغة العربية بل إن الإنجليزية نفسها تختلف من مكان إلى مكان فتجد الإنجليزية البريطانية British English والإنجليزية الأمريكية American English وتجد لكنة إنجلترا تختلف عن لكنة اسكتلندا التى تقع على حدودها.
هل هناك دولة من الدول المتحدثة بالإنجليزية تُسمى نفسها كندا الإنجليزية أو أستراليا الإنجليزية أو نيجيريا الإنجليزية؟ لا فكل دولة تعتز بهويتها لأن اللغة ليست هوية.
نخلص من هذا بأن اللغة ليست الهوية وأن من يُحاول أن يُمرر لنا الهوية واللغة كمصطلحان مترادفان لبعضهما هو مخطئ يتّسم حكمه بقصر النظر.
هل هوية مصر إسلامية؟ هل يكفى لأن 90 فى المئة من سكان مصر يدينون بالإسلام "على أوراق البطاقة" أن نقول أن هوية مصر إسلامية؟ هل التسعون فى المئة فكرهم واحد؟ هل ينظرون للدين نظرة واحدة؟
التسعون فى المئة مقسمون إلى نسبة كبيرة ينتمون للدين فقط على البطاقة نظراً لإنشغالهم بمتاعب الحياة، ونسبة من الصوفيين الذين لا تشغلهم هموم الدنيا ونسبة من السلفيين والإخوان أصحاب الفكر المتطرف الذين يحاربون الهوية المصرية و نسبة من الليبراليين والعلمانيين والاشتراكيين الذين يحاولون الوقوف أمام المتطرفين لمنع طمس الهوية المصرية ونسبة من الملحدين الذين تركوا الإسلام"أغلبهم ترك الإسلام بسبب تصرفات المتطرفين". هل جميع هؤلاء مشتركون فى النظرة للدين؟! المؤكد أن أغلبهم مشتركون فى حب الوطن، الطبيعي أن تجمعهم الهوية المصرية لا الهوية الإسلامية كما يروج البعض.
ديانة أكثر سكان أوروبا المسيحية هل هذا يكفي لنقول أن هوية أوروبا هى المسيحية؟ هل نستطيع أن نقول أن هوية إنجلترا أو فرنسا أو ألمانيا هى المسيحية؟
لقد انتهى عصر الدولة الدينية فى العالم كله منذ زمن وظهرت لنا الدولة التى لا تجبر الناس على اتباع دين معين ولا عقيدة معينة والتى تكفل حرية الاعتقاد للناس وتقع الدولة على نفس المسافة من كل مواطن بصرف النظر على ديانته أو اعتقاداته.
هل إسلام مصر كإسلام السعودية كإسلام بن لادن وطالبان وباكستان كإسلام ماليزيا؟!
و النتيجة لظلم مصر بزعم أسلمة هويتها ضياع هوية الوطن وتحولها لما يشبه المسخ الغير واضح المعالم خاصة ما ظهر لنا على يد جماعات كالإخوان و السلفيون الذين يضعون الانتماء للدين في صدام مع الإنتماء للوطن ومع احترامي للدين فإن الإنتماء للوطن هو الأصل و الطبيعي لأن الوطن هو المسؤول عن حمايتك و ليس الدين. فتجد هؤلاء يرفعون أعلام السعودية فى ميدان التحرير فى تحول خطير فى تاريخ الوطن وهويته وهو رفع من يحملون اسم هذا الوطن لأعلام دولة أُخرى كرمز للهوية الإسلامية! ثم رفضهم التدخل للضغط على السعودية حتى تُفرج عن أكثر من 1000 معتقل مصري فى السجون هناك بدون أى تهمة أو تحقيق معهم بحجة أننا نسعى إلى تحسين علاقاتنا مع الدول العربية والإسلامية! أى امتهان هذا وأى ضياع للكرامة هذا الذي وصلنا إليه! ولصالح من يعمل هؤلاء! هل هؤلاء حقاً يعملون من أجل هذا الوطن!
لو أنك مواطناً بريطانياً وتعرضت للإعتقال في دولة إسلامية كإيران فستدافع عنك بريطانيا بإعتبارك مواطن بريطاني ضد دولة إسلامية انتهكت حقوق مواطن بريطاني. أيها الحالمون الذين يعيشون في أوهام دولة الخلافة أفيقوا انتهي عصر الخلافة منذ زمن بعيد و نحن نعيش اليوم في عصر المصالح المشتركة.
لو أن مواطنا أمريكيا تعرض للأذي في بريطانيا ستدافع عنه أمريكا حتي لو اضطرت للحرب فحامل جواز السفر الأمريكي في حماية جيش الولايات المتحدة الأمريكية فوق أي أرض وتحت أي سماء.
ماذا لو أن دولة عربية من الدول المحيطة بنا اعتدت على حدود مصر؟ هل سنكتفى بالحديث عن العروبة و الإسلام ونتركهم يعتدون على بلادنا؟
فى كل الدول العربية خاصة فى دول الخليج و السعودية المصريون يعاملون أسوأ معاملة ولو أنك فتحت جريدة من الجرائد هناك لن تجد ألفاظ "الإخوة"، "الأشقاء"، "الوحدة" وغيرها من الألفاظ التى تُروج لها صُحفنا منذ المشروع العروبى الذى تبناه عبد الناصر وأثبت فشله الذريع، بل ستجد لفظاً واحداً هو "الأجانب". عندما تطأ قدماكَ أى مطار فى هذه الدول ستجد منطقة مكتوب عليها "لدخول مواطنى دول الاتحاد الخليجى"، وأخرى مكتوب عليها "للأجانب". أيها الواقعون تحت تأثير أوهام العروبة و الإسلام أفيقوا من هذه الخدعة فكم من المصريين أُهينوا وكم من المرات التى أُنتهكت فيها كرامة مصر بسبب هذا الكلام الذي أضر بوطننا كثيراً و بكرامتنا!
أنا لا أدعو إلى الدخول فى عداء أو حرب مع أحد، إنما أدعو لبناء علاقات مع أى دولة فى العالم قائمة على المصلحة لا على أوهام العروبة والإسلام التى أُنتهكت حرمات وطننا باسمها كثيراً.
إننا نظلم مصر عندما نقول إن هويتها عربية أو إسلامية فهوية مصر هى تاريخها الذى بدأ معه كتابة التاريخ فى العالم فهنا كانت أقدم وأعظم حضارة عرفها العالم، هوية مصر مصرية كيف نضع هوية مصر التى بدأت منذ أكثر من 7000 آلاف عام فى مقارنة مع هوية بدو و صحراويين ظهرت بلدانهم منذ بضع عقود؟!
أليس من الظلم أن نتخلى عن هوية وطننا و نستبدل هويته بهوية الذقن و النقاب و اللحية، بهوية الفكر الوهابى البدوى الذي يُعادى الفكر و الثقافة و الحرية و التقدم؟!
هل المصريون فى ثقافتهم وحضارتهم وفكرهم وعاداتهم وتقاليدهم يشبهون الخليجيين أو السعوديين أو المغاربة؟!
سنظل متأخرين حتى لو أتينا بنبى يحكمنا، حتى لو حكمنا أكثر الحكام فى العالم إصلاحاً، طالما ظل تفكير المصريين بهذا العقم، طالما ظلوا يبحثون عن وهم الهوية الإسلامية والهوية العربية وهذا السراب. شعارنا يجب أن يكون "مصر أولاً وأخيراً". لا سبيل لنا نحو التقدم إلا ببناء دولة ديموقراطية مدنية حديثة هويتها مصرية خالصة.
ارفعوا علم مصر فقط و افتخروا بمصركم فقط فأنتم نسل أجدادكم الذين شيدوا أعظم و أقدم الحضارات.
بقلم دكتور أيمن أحمد
جميع حقوق النشر محفوظة للكاتب و للمدونة، أرجو فى حالة النقل التنويه إلى إسم الكاتب و المدونة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق