الخميس، 30 يناير 2014

يوميات كهلٍ صغير السن - أمَــل دُنْـقُـل


- 1 -

أعرف أن العالم في قلبي.. مات!

لكني حين يكف المذياع.. وتنغلق الحجرات:

أنبش قلبي، أخرج هذا الجسد الشمعي
وأسجِّيه فوق سرير الآلام.

أفتح فمه، أسقيه نبيذ الرغبة

فلعل شعاعا ينبض في الأطراف الباردة الصلبة

لكن.. تتفتت بشرتُه في كفي

لا يتبقى منه.. سوى: جمجمةٍ.. وعظام!

- 2 -

تنزلقين من شعاعٍ لشعاع

وأنت تمشين – تُطالعين- في تشابك الأغصان في الحدائق

حالمةً.. بالصيف في غُرفات شهر العسل القصير في الفنادق

ونزهةٍ في النهر..

واتكاءةٍ على شراع!

……………

.. وفي المساء، في ضجيج الرقص والتعانق

تنزلقين من ذراعٍ لذراع!

تنتقلين في العيون، في الدخان العصبِيِّ، في سخونة الإيقاع

وفجأة.. ينسكب الشراب في تحطم الدوارق

يبل ثوبك الفَرَاشيََّ.. من الأكمام حتى الخاصرة!

وحين يفغر المغني فمه مرتبكا

تنفجرين ضحكًا!

تشتعلين ضحكًا!

وتخلعين الثوبَ في تصاعدات النغم الصارخ.. والمطارق

وتخلعين خُفَّك المشتبكا

ثم..

تواصلين رقصك المجنون.. فوق الشَّظَيَات المتناثرة!!

- 3 -

عينا القطة تنكمشان..

فيدقُ الجرسُ الخامسةَ صباحا!

أتحسس ذقني النابتةَ.. الطافحةَ بثورًا وجراحًا

(.. أسمع خطو الجارة فوق السقف

وهي تعد لساكن غرفتها

الحمَّامَ اليوميَّ..!)

دفءُ الأغطية، خريرُ الصنبور

خشخشة المذياع، عذوبة جسدي المبهور

(.. والخطو المتردد فوقي ليس يكف..!)

لكني في دقة بائعة الألبان:

تتوقف في فكِّي.. فرشاةُ الأسنان!

- 4 -

في الشارع

أتلاقى – في ضوء الصبح- بظلِّي الفارع:

نتصافح.. بالأقدام!

- 5 -

حبيبتي، في الغرفة المجاورة

أسمع وقع خطوها.. في روحه وجيئة

أسمع قهقهاتها الخافتة البريئة

أسمع تمتماتها المحاذرة

حتى حفيف ثوبها، وهي تدور في مكانها.. تهم بالمغادرة

(.. يومان، وهي إن دخَلت:

تشاغلَت بقطعة التطريز

بالنظر العابر من شباكها إلى الإفريز..

بالصمت إن سَألت!)

.. وعندما مرت عليَّ، بقعة مضيئة،

ألقت وراء ظهرها.. تحية انصرافها الفاترة

فاحتقنت أذناي، واختبأتُ في أعمدة الوظائف الشاغرة

حتى تلاشى خطوها.. في آخر الدهليز!

- 6 -

أطرق باب صديقي في منتصف الليل

(تثب القطةُ من داخل صندوق الفضلات)

كلُّ الأبواب، العلويَّة والسفليَّة، تُفتح إلا.. بابه

وأنا أطرق.. أطرق

حتى تصبح قبضتيَ المحمومةُ خفاشًا يتعلق في بندول “!

………………………………

يتدفق من قبضتي المجروحة خيطُ الدم

يترقرق.. عذبًا.. منسابًا.. يتساند في المنحنيات

تغتسل الرئتان المتعَبَتان من اللون الدافئ،

ينفثئ السمّ..

يتلاشى البابُ المغلقُ.. والأعين.. والأصوات

.. وأموتُ على الدرجات!!

- 7 -

تدق فوق الآلة الكاتبة القديمة

وعندما ترفع رأسها الجميل في افتراق الصفحتين

تراه في مكانه المختار.. في نهاية الغرفة

يرشف من فنجانه رشفة

يريح عينيه على المنحدر الثلجي، في انزلاق الناهدين!

(.. عينيه هاتين اللتين

تغسل آثارهما عن جسمها – قبيل أن تنام – مرتين!)

وعندما ترشقه بنظرة كظيمة

فيسترد لحظةً عينيه: يبتسم في نعومة

وهي تشد ثوبها القصير فوق الركبتين!

………………………..

.. في آخر الأسبوع

كان يعد – ضاحكًا – أسنانها في كتفيه

فقرصت أذنيه..

وهي تدس نفسها بين ذراعيه.. وتشكو الجوع

- 8 -

حين تكونين معي أنتِ:

أصبح وحدي..

في بيتي!

…………………

- 9 -

جاءت إلي وهي تشكو الغثيان والدوار

(.. أنفقتُ راتبي على أقراص منعِ الحمل!)

ترفع نحوي وجهها المبتل..

تسألني عن حل!

………………………

هنأني الطبيبُ! حينما اصطحبتها إليه في نهاية النهار

رجوته أن يُنهي الأمر… فثار (.. واستدار يتلو قوانين

العقوبات علىّ كي أكفَّ القول!)

هامش:

أفهمته أن القوانين تسن دائما لكي تُخرق

أن الضمير الوطنيَّ فيه يُملي أن يقل النسل

أن الأثاث صار غاليًا لأن الجدبَ أهلك الأشجار

لكنه.. كان يخاف الله.. والشرطةَ.. والتجار!

- 10 -

في ليلة الزفاف، في التوهج المرهق

ظلت تُدير في الوجوه وجهها المنتصر المشرق

وحين صرنا وحدنا – في الصمت الكثيف الكلمات

داعَبَت الخاتم في إصبعها الأيسر، ثم انكمشت خجلى!

(.. كانوا – وراء الباب – يكنسون النور والظلا

وتخلع الراقصةُ الشقراءُ عريَها.. وتحسب الهبَات!)

قلت لها ” ما أجمل الحفلا “

فأطرقت باسمةَ الغمازتين والسمات.

وعندما لمستُها: تثلجت أطرافها الوجلى!

وانفلتت عجلى..!

كأنها لم تذق الحب.. ولم يثر بصدرها التنهدات!!

- 11 -

مذ علقنا – فوق الحائط – أوسمة اللهفة

وهي تطيل الوقفة في الشرفة!

واليوم!

قالت إن حبالي الصوتية تُقلقها عند النوم!

.. وانفردت بالغرفة!!

- 12 -

في جلسة الإفطار، في الهُنيهة الطفليَّة المبكرة

أعصب عيني بالصحيفة التي يدسُّها البائع تحت الباب

وزوجتي تبدأ ثرثرتَها اليومية المثابرة

وهي تصبُّ شايَها الفاتر في الأكواب!

(.. تقص عن جارتها التي ارتدت..

وجارها الذي اشترى..

وعن شجارها مع الخادم والبواب والقصَّاب،

.. ثم تشد من يدي: صفحة الكُرَة)!

- 13 -

.. العالم في قلبي مات.

لكني حين يكف المذياع، وتنغلق الحجرات:

أخرجه من قلبي، وأسجِّيه فوق سريري

أسقيه نبيذ الرغبة

فلعلَّ الدفء يعود إلى الأطراف الباردة الصلبة

لكن.. تتفتت بشرتُه في كفي

لا يتبقى منه سوى.. جمجمةٍ.. وعظام!

وأنام!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Blogger Widgets